• My Nearest City
Harissa

Maronite Liturgical Year – السنة الطقسية المارونيّة؟

ما هي السّنة الطقسيّة المارونيّة؟

أ- السّنة الطقسيّة المارونيّة

ترتكز العبادة المسيحيّة في جوهرها على شخص المسيح من حيث تجسّده وموته وقيامته. وهي تعمل جاهدة على إشراك المؤمنين في أسرار المسيح بالتأمّل والقدوة مع تقديس الزمن. فالكنيسة تحتفل بسرّ المسيح بكامله على مدار السّنة: من ميلاده إلى ظهوره فصومه وموته وقيامته وحلول روحه القدّوس وانتظار مجيئه الثاني. تلك هي باختصار “السّنة الطقسيّة”.

للسّنة الطقسيّة طابع تربويّ أساسيّ، أي أنّها تستجمع أحداث حياة السيّد المسيح الخلاصيّة في سنة واحدة. من هنا نقول إنّ طابعها تربويّ لا تاريخيّ، وهذا لا يعني أنّ الأحداث التي تحتفل بها ليست تاريخيّة وحقيقيّة، بل إنّها – أي الأحداث – مذكورة من المنظار التعليمي لكي تساعد المؤمن والشعب على الدّخول إلى سرّ المسيح تدريجيًّا خلال سنة واحدة. ولو لم يكن الأمر كذلك، لكنّا بحاجة إلى ثلاث وثلاثين سنة لنحتفل بجميع أحداث المسيح. وقد شبّه الآباء القدّيسون السّنة الطقسيّة بالسّنة المدنيّة التي تتكوّن من دورة الأرض حول الشمس، وهكذا تتكوّن السّنة الطقسيّة من دورة الكنيسة حول المسيح، شمس البرّ، متتبّعة حياته الخلاصيّة حدثًا حدثًا…

هذا من جهة، ومن جهة ثانية تحتفل الكنيسة المارونيّة بهذه الأحداث الخلاصيّة بطريقة لولبيّة، أيّ أنّها، كلّ سنة، تضيف إليها بُعدًا روحيًّا جديدًا. ولولا هذا التجديد المتواصل في الإحتفال الطقسيّ، لكفى لذلك احتفال واحد في الحياة، وهذا أمر لا يُعقل بالمنطق اللّيتورجيّ والكنسيّ…

ب- زمن الميلاد المجيد

تُفتتح السّنة الطقسيّة المارونيّة بأحد تجديد البيعة وتقديسها، في أوائل شهر تشرين الثاني من كلّ سنة، كما قلنا. بعده، يبدأ زمن الميلاد بحصر المعنى، فتتوالى الآحاد التالية: أحد بشارة زكريا، أحد بشارة العذراء، أحد زيارة العذراء لنسيبتها إليصابات، أحد مولد يوحنّا المعمدان، أحد البيان ليوسف، أحد النسبة، عيد الميلاد المجيد وأحد وجود الربّ في الهيكل. هذه المرحلة الأولى من السّنة الطقسيّة المارونيّة تُدعى، في بعض الطقوس، “زمن المجيء الأوّل، أو “زمن البشارة” أو “زمن الميلاد”. ولكلّ من الأحداث التي ذكرنا صلوات خاصّة، إن في التقليد المارونيّ المخطوط أو التقليد المطبوع (روما، سنة 1656؛ روما، سنة 1666).

ج- زمن الدنح المجيد

لعيد الدنح أو الظهور أو الغطاس أهميّة خاصّة في جميع الطقوس الشرقيّة التي ما زال البعض منها يحتفل بعيد الميلاد في السّادس من كانون الثاني، علامة الوحدة القويّة بين العيدَين، وحفاظًا على تقليد ليتورجي قديم.

يختلف ومن الدنح عن زمن الميلاد في الطقس المارونيّ بأنّه يلي عيد الدنح مباشرة ولا يسبقه كما هي الحال في زمن الميلاد. ويتألّف هذا الزمن من سلسلة آحاد وأسابيع. أمّا الآحاد، فقسم منها متحرّك، أي يصل أحيانًا إلى الخمسة؛ بينما القسم الآخر والأخير ثابت وهو مؤلّف من أحد الكهنة، أحد الأبرار والصدّيقين، وأحد الموتى المؤمنين.

صلوات هذا الزمن الطقسيّ محفوظة في التقليد المخطوط والمطبوع (روما، سنة 1656).

لم يخضع زمن الدنح، حتى الآن، لأيّة عمليّةٍ تهدف إلى طرحِ المشاكلِ اللّيتورجيّة المُتعلّقة به، إنْ منْ حيث عيد الدنح بالذات، أو من حيث الفترة التي تعقبه وصولاً إلى زمن الصّوم الكبير. فالعناوينُ الكبرى التي تطلُبُ جوابًا مُلِحًّا هي: تسمية هذه الفترة؛ حدودُ هذا الزمن اللّيتورجيّ؛ مُبرّر وجوده؛ الآحادُ والأسابيعُ التي تلي مباشرة عيد الدنح؛ علاقةُ الدنح بالميلاد وبالصّوم وبالقيامة؛ إلخ…

نظريّتُنا: إنّ الآحاد الثلاثة الأخيرة التي تسبق الصّوم الكبير، أي أحد الكهنة وأحد الأبرار والصدّيقين وأحد الموتى المؤمنين، تؤلّف جزءًا لا يتجزّأ من سلسلة تذكارات “مفقودة” في الطقس المارونيّ. فهذه السلسلة، مع التذكارات الثلاثة المشار إليها، تؤلّف زمنًا طقسيًّا مستقلاًّ ووسيطًا بين الميلاد والصّوم. إذ لا يُعقل أن تكون السّنة الطقسيّة المارونيّة متوقّفة هنا – بين الميلاد والصوم – ثمّ تستأنف عملها في زمن الصوم. كما لا يُمكن إعطاءُ أيّ مُبرّر ليتورجيّ آخر للآحاد الثلاثة الأخيرة.

بالإضافة إلى ذلك، حملَ الدنحُ عناصرَ لاهوتيّةً غنيّة، يستحقّ كلّ منها، أقلّه، مقالاً ووقفةً وتأمّلاً. أهمّها: ظهور الإنسان – الإله وتكريسه المسيحانيّ؛ ظهورُ الثالوث الأقدس، للمرّة الأولى، على مياه الأردنّ؛ موقفُ يوحنّا المعمدان ونهر الأردنّ والملائكة منْ يسوعَ المُعتمد؛ مسحةُ يسوع الكهنوتيّةُ على ضفاف الأردنّ؛ عُرسُ الكنيسة والمسيح؛ تكريسُ مياه المعموديّة…

جميع هذه المعطيات وغيرها تُظهرُ أبعادَ عيد الدنح ومداه اللّيتورجيّ. إنّه، مع القيامة والعنصرة، أحدُ أهمّ أعيادِ وركائزِ السّنة الطقسيّة في مُعظم تقاليدنا الشرقيّة.

د- زمن الصّوم الكبير

زمن الصّوم الكبير بالغ الأهميّة من الناحية اللّيتورجيّة والرّوحيّة. ولقد عرف عند الموارنة، في مسيرته التاريخيّة، تقليدَين مختلفين: فالتقليد الأوّل ربط الصّوم بعيد الدنح، أسوةً بمثلِ المعلّم الإلهيّ الذي تعمّد في الأردنّ، ثمّ ذهب إلى البريّة صائمًا ومصلّيًا؛ بينما أعطى التقليدُ الثاني الصومَ وجهة القيامة والفصح. في هذا الإتّجاه الثاني، يرمز الصوم إلى رحلة بحريّة تقود المؤمن إلى الميناء، أي إلى الخلاص والقيامة.

وفي التقليد المارونيّ القديم، رتبة “الوصول إلى الميناء”، كان يُحتفل بها ليلة إثنين الآلام.

مهما يكن من أمر هذين التقليدَين، فصلوات هذا الزمن المارونيّ ما زالت كلّها مخطوطة ولم تُنشر بعد. وهي تتوزّع على الأسابيع والآحاد التالية:

الأسابيع الثلاثة الأولى وهي أسابيع الصّوم بحصر المعنى. ولقد أثبتت المخطوطات صلوات ليتورجيّة للأسبوع الأوّل منها، تُعاد في الأسبوع الثاني والثالث.

الأسبوعان التاليان، أي الرابع والخامس، هما أسبوعا العجائب. وللأسبوع الرابع صلوات تُعاد أيضًا في الخامس.

أمّا الأسبوع الأخير فهو أسبوع الشعانين: ونهار الجمعة فيه هو ختام صيام الأربعين، ونهار السبت هو سبت لعازر. وينتهي الأسبوع بأحد الشعانين.

بالإضافة إلى هذه الأسابيع الستّة، يتضمّن زمن الصوم الكبير في الطقس المارونيّ سلسلة آحاد لها صلواتها الخاصّة. وهذه الآحاد هي:

أحد مدخل الصوم الكبير: أحد عرس قانا الجليل-
الأحد الثاني من الصوم الكبير: أحد الأبرص-
أحد الثالث من الصوم الكبير: أحد المنزوفة-
أحد الرابع من الصوم الكبير: أحد الابن الشاطر-
أحد الخامس من الصوم الكبير: أحد المخلّع-
أحد السادس من الصوم الكبير: أحد الأعمى-
أحد الشعانين-

هـ – أسبوع الآلام أو “الحاش” المارونيّ

هو الأسبوع العظيم، وفيه تحتفل الكنيسة المارونيّة بسرّ المسيح المصلوب الفادي، رجل الأوجاع، ربّ المجد، ونُهية التاريخ، الذي منه وبه وفيه وإليه خُلق الجميع. صلوات هذا الأسبوع طُبعت سنة 1902 في جونية، وهي غنيّة برموزها وأبعادها الكتابية، كما أنّ بعضها قديم جدًّا يتلاقى والطقوس السريانيّة والكلدانيّة. ذروة هذا الأسبوع هو نهار الجمعة العظيمة، يوم الفداء الأعظم. وفي الطقس الكلداني، القريب من الطقس المارونيّ، تبدأ أفراح القيامة يوم الجمعة العظيمة بالذات. وهذه الوحدة العضويّة بين أسبوع الآلام والجمعة العظيمة من جهة، وأحد القيامة من جهة ثانية، حقيقة لاهوتيّة جوهريّة في الطقوس الشرقيّة وفي الطقس المارونيّ. فالمسيح المتألّم الذي تحتفل الكنيسة بأسبوع آلامه هو المسيح الذي عبر من الموت إلى الحياة وإلى القيامة. وهذا ما يُعطي نصوص أسبوع الآلام نفحة الرّجاء الكبير والإنتظار للنّور الذي سينبثق من القبر الفارغ.

بالإضافة إلى الصلوات والقراءات في أسبوع الآلام المارونيّ، هنالك ناحية أخرى لا بدّ من التوقّف عندها: أسبوع الآلام هو أسبوع رعائيّ من الدرجة الأولى: فالمؤمنون يشاركون في الصّلوات والإحتفالات الخاصّة، مثلاً: رتبة وزيّاح الشعانين، رتبة الوصول إلى الميناء، رتبة القنديل، رتبة تبريك الزيوت ورتبة الغسل يوم خميس الأسرار، رتبة رسم الكأس ورتبة دفن المسيح يوم الجمعة العظيمة، ورتبة الغفران يوم سبت النّور. أمّا زيّاح الصّليب، الذي يُحتفل به كلّ يوم جمعة من الصوم الكبير، وكلّ يوم من أسبوع الآلام حتّى نهار الخميس، فأمر مستحدث في الطقس المارونيّ.

و- زمن القيامة المجيدة

بعد الألم والحزن، يطلّ الفرح والنور والخلاص بالمسيح القائم من القبر. وتبدأ فترة ليتورجيّة جديدة في السنة الطقسيّة حول عيد القيامة، عيد الأعياد وقمّة السّنة الطقسيّة. ومن المعلوم أنّ صلوات هذه المرحلة اللّيتورجيّة ما زالت دفينة المخطوطات في الطقس المارونيّ، رغم أهميّة القيامة من الناحية اللاّهوتيّة والكتابيّة والطقسيّة والرُّوحيّة والكنسيّة.

تبدأ هذه الفترة برتبة السّلام الفصحيّ وتتوالى الصّلوات والقراءات بدءًا بأسبوع القيامة وأسبوع الحواريين أي أسبوع الأسابيع، وبالأحد الجديد. ثمّ تتوالى الأسابيع والآحاد حتى خميس الصعود فأحد العنصرة، حيث تحتفل الكنيسة المارونيّة برتبة السّجدة؛ وهكذا ينتهي هذا الزمن الخامس من السّنة الطقسيّة.

ز- صلوات الشحيمة المارونيّة

بعد العنصرة، تبدأ صلوات الشحيمة أي الصلاة البسيطة والأسبوعيّة.

وتتوالى الأسابيع والآحاد. ومن أبرز الأعياد في هذه المرحلة: عيد الرسولين بطرس وبولس في 29 حزيران، وعيد التجلّي في 6 آب، وعيد إنتقال العذراء في 15 منه، وعيد مولد العذراء في 8 أيلول وعيد إرتفاع الصّليب المُقدّس في 14 منه… هذه المرحلة مليئة بمعطيات التوبة والإنتظار والمعاديّة. وتنتهي السّنة الطقسيّة في أواخر تشرين الأوّل.

للشحيمة المارونيّة تقليد مخطوط يرقى إلى سنة 1435 (المخطوط السرياني الفاتيكاني، الرقم 316)، وإلى سنة 1450 (مخطوط حلب، الرقم 754). أمّا التقليد المطبوع، فيبدأ سنة 5/ 1624 في روما، ويتواصل حتى يصل إلى عشرين طبعة، كبيرة أو صغيرة، بعضها في روما أو في بيروت أو في طاميش أو في قزحيّا أو في جونية.

ولا بدّ هنا من ذكر ثلاث مجموعات (أو: بيت غازات) مارونيّة باللغة السريانيّة، قديمة العهد، منها إستقى، كما نظنّ، واضعو الشحيمة الحالية. ونعني بالمجموعة كميّة كبيرة من الألحان السريانيّة مرتّبة، لا بحسب البنية الداخليّة للصلوات، بل بالنسبة إلى الموضوعات التالية: القيامة، التوبة، العذراء، الشهداء، المنتقلين، إلخ… وهذه هي المجموعات:

– مكتبة المتحف البريطاني (لندن)، المخطوط 14.703 (القرن الثاني عشر – الثالث عشر).

– مكتبة المتحف البريطاني (لندن)، المخطوط 14.701 (سنة 1263 م).

– مكتبة المكتبة الفاتيكانيّة (روما)، القسم السرياني، الرقم 324 (القرن الثالث عشر).

هذا قليل من كثير عن السّنة الطقسيّة المارونيّة. يكفي أن تكون هذه السّطور قد أعطت القارئ الكريم فكرة موجزة عن الصّلاة المارونيّة الجماعيّة التي تُدعى عادة “صلاة الفرض” أو “صلاة الخورس”. وهذا تراث روحيّ وليتورجيّ كبير تغذّى منه الشّعب المارونيّ طيلة أجيال وأجيال. وإنّ محاولات التجديد في الفرض المارونيّ التي أبصرت النور في السنوات الأخيرة ترتكز أصلاً على النصوص القديمة مع ترجمات عربيّة حديثة. وهذه أهمّها:

– الخوري بطرس الجميّل: صلاة المؤمن: الجزء الأوّل (بيروت، 1966)؛ الجزء الثاني (بيروت، 1967)؛ الجزء الثالث (بيروت، 1967).

– معهد اللّيتورجيّا وكليّة العلوم الموسيقيّة في جامعة الرّوح القدس، الكسليك:

زمن الميلاد المجيد، (سنة 1977)؛

زمن الدنح المجيد، (سنة 1978)؛

زمن الصوم الكبير، (سنة 1979)؛

أسبوع الآلام، أي الحاش المارونيّ، (سنة 1976)؛

 زمن القيامة المجيدة، (سنة 1977)؛

 الشحيمة، أو الزمن العادي، (سنة 1982 سرياني وعربي).

Posts Information

  • : Road Map